بعد حادثتي هيروشيما وناكازاكي أدرك العلماء جيدا وكذلك العاملين في ميدان الفيزياء النووية والمسئولين السياسيين والعسكريين حقيقة مخاطر الطاقة النووية وخصائصها التدميرية إلى جانب منافعها وإنعكاساتها الإيجابية. ولقد أدى الرعب النووي إلى قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء اللجنة العلمية لدراسة تأثيرات الأشعة الذرية سنة 1955 وذلك للعناية بميدان مخاطر الإشعاعات على الإنسان ثم بعد ذلك أحدثت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 1957 والتي عُهد لها بتطوير التطبيقات السلمية لهذه الطاقة في كافة المجالات النافعة للبشرية ، كما قامت معظم دول العالم بتكوين لجان أو مؤسسات وطنية لرعاية جوانب الحماية من الإشعاع والكوارث النووية.
والطاقة الذرية تنتج من القوى الهائلة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في نواة الذرة حيث تتحرر الطاقة النووية عند إجراء تغييرات في بنية الذرة وتكويناتها وهذه العملية تعرف بالتفاعل النووي. فالذرة التي هي أصغر وحدة من العنصر (Elément) بمواصفات يمكن بواسطتها التمييز بين العناصر، لا يزيد حجمها عن واحد من المليون من المليمتر (1/1.000.000) و تتكون من نواة حجمها أقل من واحد من عشرة آلاف من حجم الذرة يدور حولها بسرعة هائلة ضمن مدارات مجموعة من الإكترونات تحمل شحنة كهربائية سالبة مكونة ما يعرف بالغيمة الإلكترونية.وتمثل النواة الجزء الداخلي والمركزي للذرة (قلب الذرة) ويشكل وزنها 99.9% من وزن الذرة وتحتوي كل نواة على ما يعرف بالبروتونات والنيوترونات بحيث يمكن لنا تشبيه تركيبة الذرة بالمجموعة الشمسية حيث تمثل الشمس النواة والكواكب التي تدور حولها تمثلها الإلكترونات.ولها شحنة كهربائية موجبة وتتألف بصورة أساسية من البروتونات والنيوترونات (عديمة الشحنة).
من البدهيات في علوم الفيزياء أن الشحنات المتنافرة تتجاذب والشحنات المتشابهة تتباعد وهكذا الحال في الذرة حيث أن النواة متكونة كما قلنا سابقا من البروتونات وهي ذات شحنة موجبة (+) وزنها أكثر بـ 1836 مرة من وزن الإلكترون (-) السالب الشحنة مما يؤدي إلى حدوث عملية جذب من البروتون ذا الوزن الكبير مقارنة مع الإلكترون الذي سيصطدم حتما مع البروتون لوجود قوى الجذب بين الشحنات المختلفة لو لا سرعته التي تجعله يدور حول النواة بحيث لا تستطيع جذبه إليها ولكنه لا يستطيع الابتعاد عنها في نفس الوقت وهذا شبيه بما يحدث بالنسبة لدوران الكواكب ضمن المجموعة الشمسية. أما عن عدم حدوث تنافر بين البروتونات الموجودة في النواة كونها تحمل شحنة متشابهة (+) فمرد ذلك إلى وجود مادة أخرى في النواة تعرف باسم النيوترونات وهي متعادلة الشحنة تعمل كملاط أو رابط بين البروتونات لجمعها في النواة بدلا من تنافرها حيث أن الشحنات المتشابهة تتدافع وبهذا فان النيوترونات تمنع الذرة من الزوال.
والعناصر الكيميائية هي المواد المتكونة من نوع واحد من الذرات وتعرف لذلك بالعناصر الكيميائية البسيطة أو القاعدية وقد قام بتعدادها وترتيبها لأول مرة العالم المعروف في ميدان الكيمياء ديميتري مونديلياف "Dmitri Mondeliev" ضمن جدول يعرف إلى اليوم باسمه ويعتبر من المراجع الأساسية بالنسبة للعلماء والباحثين في مجال العلوم الكيميائية.
يبلغ عدد العناصر الكيميائية البسيطة 116 عنصرا وقد تم ترتيبها ضمن الجدول السالف الذكر بشكل أفقي أخذا بعين الإعتبار العدد الذري للمواد (Nombre Atomique) وهو عدد البروتونات الموجودة في نواة المادةوهو الذي يحدد اسم العنصر وخصائصه. ولتساوى مجموع الشحنات داخل العنصر مما يضمن له البقاء مستقرا فان العناصر تحتوي على عدد من الإلكترونات السالبة الشحنة مساو لعدد البروتونات الموجبة الشحنة.
إن حلم الإنسان بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب هو الذي أدى لتطور علوم الكيمياء إلا أنه اليوم تأكد أن هذا غير ممكن لان التفاعلات الكيميائية لا يمكنها تغيير مركبات الذرة خاصة من حيث عدد النيوترونات وبذلك يمكن أن نجزم أن الإنسان لا يستطيع تحقيق حلمه بالحصول على الذهب من المعادن الرخيصة بإجراء أي تفاعل كيميائي.
وما يحدث في التفاعلات النووية وهي تفاعلات فيزيائية هو أن نواة الذرة تقترب من بعضها (تغيير في بنية الذرة) نتيجة تأثير طاقة هائلة وكبيرة وهذا يتم بطريقتين أولهما إنقسام الذرة الواحدة إلى ذرتين والاثنين إلى أربعة وهكذا في عملية متسلسلة تدعى بالانصهار النووي ولهذا السبب تستخدم ذرة كبيرة كاليوارنيوم لها عدد كبيرا من البروتونات في النواة اما الطريقة الثانية فتتمثل في دمج ذرة صغيرة مع ذرة أخرى وهكذا وتدعى العملية بالاندماج النووي ولهذا السبب تستخدم ذرة صغيرة كالهيدروجين لها بروتون واحد في النواة .والطاقة التي نحصل عليها سواءا بالطريقة الأولى أو الثانية وحسب نظرية انشتاين الشهيرة هي طاقة تعادل الكتلة الجديدة مضروبة في مربع سرعة الضوء.
وتعتبر عملية الاندماج أو الانصهار النووي حسب بعض النظريات العلمية الحديثة أساس تشكيل الكون حيث أدى اندماج ذرة الهيدروجين مع ذرة الهليوم لإنتاج عنصر أثقل وهذا التفاعل يعتبر التفاعل الأساسي لتكوين الشمس والحفاظ على طاقتها وتستمر هذه العملية بحيث نحصل في كل مرة على عناصر جديدة إلى غاية الحصول على عنصرالحديد الذي يبلغ عدد بروتوناته 60 حيث تخبو الطاقة ولا يعد بالإمكان إنشاء عناصر جديدة.
فوائد الطاقة النووية:
من مصادر الطاقة عديدة ومتنوعة أهمها النفط والفحم ولكن هذه الموارد مآلها مما لا جدال فيه النفاذ خلال سنوات محدودة وقد قدرت بعض الدراسات هذه المدة بالنسبة للنفط بحوالي 100 سنة بالإستناد إلى متوسط الاستهلاك الفعلي الحالي والمقدر بحوالي 80 مليون برميل سنويا مع زيادة بحدود 1% إلى 2% سنويا مع العلم أن الكميات المؤكدة من احتياطي النفط بالعالم تتراوح بين 1.4الى 2.1 ترليون برميل.
ولأغراض المقارنة فان طن واحد من اليورانيوم يعطي طاقة تعادل الطاقة الناتجة من ملايين الأطنان من الفحم أو ملايين البراميل من النفط فضلا عن تلافي الآثار الجانبية لحرق الفحم والنفط والتي تتسبب في تلوث البيئة بينما مفاعل نووي مصمم بشكل جيد ويعمل تحت رقابة وإشراف جيدين لا يؤدي إلى إطلاق أي تلوث في الجو.
أضرار الطاقة النووية:
لم يعد يخفى على أحد ما حل بمدينتي هيروشيما و ناكازاكي اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية حيث انذهل العالم بحجم الخسائر المترتبة عن استخدام الطاقة الذرية فقد أيقظت هذه التجربة وعيا جديدا وهو أن سلاح واحد تحمله وسيلة نقل واحدة يمكنه إبادة عدد لا يحصى ويعد من السكان وأن يدمر البنية الطبيعية لمنطقة أو مدينة باكملها ومما زاد في تفاقم الخوف من الإشعاعات كونها قاتلا خفي وغير مرئي يضرب ضحاياه ويؤثر فيهم على امتداد الأيام والأشهر والسنين وحتى الأجيال التالية.
فمخزون القنابل النووية بالعالم اليوم وخاصة لدى القوى العسكرية الكبيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا يعتبر استخدامها كاف للقضاء على جميع أشكال الحياة على وجه الأرض . فالانفجار النووي الذي تحدثه القنابل النووية يُنتج أشعة مؤذية تستطيع أن تقتل جميع الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان وهذا ما حدث فعلا عند استخدام قنبلة هيروشيما وقنبلة ناكازاكي في اليابان وكذلك عندما تعرضت بعض المفاعلات النووية إلى حوادث أو أعطال نتج عنها تسرب بعض الوقود النووي كما حدث في تشرنوبيل عام 1986 حيث تعرض مئات الألوف من الناس إلى الأشعة فتوفى الكثيرين خلال أيام وأصيب البقية بأنواع مختلفة من السرطانات التي أدت بهم لاحقا إلى الوفاة . كما أن المفاعلات النووية تنتج بصفة طبيعية فضلات نووية تبقى مصدرا للإشعاع لملايين السنين بحيث يجب التخلص منها بطرق خاصة، إذ لا يجب التعامل معها كأية نفايات أخرى بل يجب خزنها بأماكن خاصة ومحكمة العزل حتى لا تؤثر على الناس من حولها.
إستخدامات الطاقة النووية:
تمكن الإنسان خلال العقود الأخيرة من تنويع استغلال الطاقة النووية لخدمة التقدم التقني في عدة مجالات من بينها ميدان الطب للعلاج والتشخيص والتعقيم وميدان الصناعة خاصة لانتاج أشباه الموصلات والمعالجات الكيماوية والكشف عن العيوب الصناعية وتقنيات اختبار الجودة وفي عمليات التعدين والبحث عن الخامات الطبيعية وكذلك في ميدان الزراعة حيث تم توظيف الطاقة النووية لاستنباط أنواع جديدة من المحاصيل ذات إنتاجية عالية وانتقاء نوعيات معينة من البذور ومقاومة الآفات والحشرات وزيادة مدة تخزين المنتجات الزراعية.ويعتبر إنتاج الطاقة الكهربائية أحد أهم مجالات الإستغلال السلمي للطاقة النووية إذ أن 77% من إنتاج الكهرباء في فرنسا يتم عبر الطاقة النووية وتصل هذه النسبة إلى 30% في اليابان و 20% في الولايات المتحدة وبصورة عامة فان 20% من الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم تتم حاليا بواسطة الطاقة النووية.
خصوصيات الطاقة النووية :
بمقارنة قدرة التفجير النووي بقدرة التفجير العامة اتضح أن التفجير النووي (بافتراض تساوي الحجم) أكثر قوة بملايين المرات إضافة إلى تتحرر كمية كبيرة من الإشعاع القاتل أثناء الانفجار تستمر لسنوات طويلة وهو ما لا يحدث مع التفجير العادي.
والإشعاعات السالفة الذكر هي الإشعاعات الذرية والتي يمكن أن يكون مصدرها مصدرا طبيعيا ويشمل الأشعة الكونية الواردة من الفضاء الخارجي والعناصر المشعة الموجودة في القشرة الأرضية إلى جانب المصادر الصناعية ويقصد بها الإشعاع الناتج من التفجيرات النووية ومفاعلات ومحطات الطاقة والمنتجات الاستهلاكية التي تحتوي على مواد مشعة.
والإشعاعات ثلاثة أنواع وهي أشعة ألفا وهي أشعة غير قادرة على اختراق الجلد و أشعة بيتا وتستطيع المرور عبر نسيج الجسم البشري لعمق يتراوح بين 1و2 سنتيمترات أما أشعة قاما وهي الأخطر فلا يستطيع إيقافها إلا طبقة سميكة من الرصاص أو الخرسانة أو طبقة كثيفة من الماء.
الحوادث النووية:
لقد شملت الحوادث النووية كافة مجالات استخدام الطاقة النووية بشقيها المدني والعسكري فالمفاعلات النووية المدنية على سبيل المثال كانت عبر مختلف بلدان العالم مسرحا لحوادث خطيرة على غرار حادث جزيرة الأميال الثلاث في الولايات المتحدة الذي جد سنة 1979 وتسبب في تلوث مناطق شاسعة بكميات قليلة من الإشعاع وكذلك حادثة تشرنوبيل الشهيرة في أوكرانيا سنة 1986 حيث تلوثت مناطق شاسعة بكميات كبيرة من الإشعاع لا تزال آثاره موجود إلى حد اليوم. كذلك شهدت المنشآت العسكرية حوادث مماثلة نذكر من بينها الحادث الذي جد ببلدة كيشينم في جبال الأورال في روسيا الاتحادية سنة 1957 نتيجة حدوث تآكل في أحد خزانات النفايات المشعة عالية المستوي مما أدى إلى انفجاره وانتشار ما به من مواد مشعة.
أما في مجال نقل الأسلحة النووية فقد سجلت الهيئات العالمية المعنية بالأمان النووي أربعة عشر حادثة من حوادث النقل النووية جوا وبحرا من أشهرها حادث التصادم بين طائرتين بأسبانيا سنة 1966 شاركت فيه قاذفة قنابل وطائرة تموين تابعتين للأسطول الأمريكي أثناء عملية تموين بالوقود في الجو مما أدى إلى سقوط القنابل الهيدروجينية الأربع التي كانت تحملها القاذفة وأثناء السقوط لم تفتح مظلات القنبلتين الأمر الذي أدى إلى تشغيل الشحنة الاعتيادية لكل منها وانطلاق المادة الانشطارية عند اصطدامها بالأرض دون حدوث انفجار نووي وقد أدى الحادث إلى تلوث المنطقة.
والحوادث النووية عديدة ومتنوعة وتتعلق خاصة بالغواصات و سفن الفضاء وحوادث تطبيقات المصادر المشعة في الصناعة التي أدت إلى العدد الأكبر من الحوادث
إجراءات الحماية النووية:
أوصت المنظمات الدولية المعنية بأمور الحماية والأمان النووي بإنشاء لجان وطنية تضع النظم والقواعد التي تحكم جميع الممارسات التي تتضمن إشعاعات مؤينة أو مصادر مشعة وذلك بغية الاستفادة من فوائد الطاقة النووية وجوانبها الإيجابية في شتى المجالات مع خفض المخاطر الناجمة عنها إلى الحد المقبول. ومن بين أهم ما جاء بالتوصيات يمكن أن نذكر ما يلي :
- نشر الوعي بالمخاطر النووية ونشر ثقافة الأمان بين العاملين بالإشعاعات أو المواد المشعة على كافة المستويات.
- توفير جميع المعدات والتجهيزات الفنية اللازمة للحماية والأمان.
- توفير الخبرات البشرية الملمة بإجراءات الحماية والأمان .
- تنفيذ جميع القياسات النووية الهادفة للتأكد من إجراءات الحماية المطلوبة.
- وضع المعايير والمتطلبات الخاصة بجميع الأنشطة التي تتسبب في التعرض للإشعاع وتحديد المسؤول.
- إعداد تخطيط فعال في حالة حدوث طوارئ معروفة مسبقا للعاملين وذلك بوضع تصورات لحوادث مختلفة محتملة بناء على الخبرة المتوفرة.
- تركيز تنظيم إداري فعال داخل المنشأة المستخدمة للمصادر المشعة يحدد بأن تكون الشدة الإشعاعية دائما في المستويات المسموح بها وأن تكون المصادر المشعة مخزنة في أماكن آمنة ومحفوظة داخل دروعها الواقية في حالة عدم الاستعمال.
يعتقد بعض الناس أن الطاقة النووية موجودة للإستغلال والإستفادة منها وليس علينا إلا تعلم كيفية معايشتها بينما يقول آخرين أنه علينا التخلص منها سواءا كانت أسلحة أو مفاعلات لتجنب أضرارها و لكلا الرأيين مؤيديه ومعارضيه ويبقى على كل واحد منا أن يقرر ما هو العمل ويفكر كمواطن أرضي وليس كمواطن ينتمي لدولة معينة حيث أن الأضرار تتجاوز الأوطان.